نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2276
من هلاك- استبعادا لوقوعه واستهزاء- أو أن يأتيهم العذاب مواجهة يرون أنه سيقع بهم. وعندئذ فقط يوقنون فيؤمنون! وليس هذا أو ذاك من شأن الرسل. فأخذ المكذبين بالهلاك- كما جرت سنة الله في الأولين بعد مجيء الخوارق وتكذيبهم بها- أو إرسال العذاب.. كله من أمر الله. أما الرسل فهم مبشرون ومنذرون:
«وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ. وَيُجادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ. وَاتَّخَذُوا آياتِي وَما أُنْذِرُوا هُزُواً» .
والحق واضح. ولكن الذين كفروا يجادلون بالباطل ليغلبوا به الحق ويبطلوه. وهم حين يطلبون الخوارق، ويستعجلون بالعذاب لا يبغون اقتناعا، إنما هم يستهزئون بالآيات والنذر ويسخرون.
«وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْها وَنَسِيَ ما قَدَّمَتْ يَداهُ. إِنَّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً، وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً» ..
فهؤلاء الذين يستهزئون بآيات الله ونذره لا يرجى منهم أن يفقهوا هذا القرآن، ولا أن ينتفعوا به. لذلك جعل الله على قلوبهم أغطية تحول دون فقهه، وجعل في آذانهم كالصمم فلا يستمعون إليه. وقدر عليهم الضلال- بسبب استهزائهم وإعراضهم- فلن يهتدوا إذن أبدا. فللهدى قلوب متفتحة مستعدة للتلقي.
«وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤاخِذُهُمْ بِما كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذابَ» ..
ولكن الله يمهلهم رحمة بهم، ويؤخر عنهم الهلاك الذي يستعجلون به، ولكنه لن يهملهم:
«بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا» ..
موعد في الدنيا يحل بهم فيه شيء من العذاب. وموعد في الآخرة يوفون فيه الحساب.
ولقد ظلموا فكانوا مستحقين للعذاب أو الهلاك كالقرى قبلهم. لولا أن الله قدر إمهالهم إلى موعدهم، لحكمة اقتضتها إرادته فيهم، فلم يأخذهم أخذ القرى بل جعل لهم موعدا آخر لا يخلفونه:
«وَتِلْكَ الْقُرى أَهْلَكْناهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا. وَجَعَلْنا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً» ..
فلا يغرنهم إمهال الله لهم، فإن موعدهم بعد ذلك آت. وسنة الله لا تتخلف. والله لا يخلف الميعاد..